أميركـا إيـران مفاوضـات أم مواجهـة.
د.نسيب حطيط
بعد الهزيمة الأميركية في العراق والفشل الأميركي بإسقاط النظام في سوريا، توجهت الأنظار لإسقاط قلب منظومة المقاومة والممانعة للمشروع الأميركي المتمثلة بالجمهورية الإسلامية في إيران،وفق نظرية إسقاط(الدينمو)أو المحطة المركزية لإطفاء أضواء الأطراف،وسحق القوى الميدانية المقاومة للمشروع الأميركي والتي بدأت تحضى بغطاء سياسي دولي بزعامة روسيا والصين ودول البريكس.
وشهد البحر المتوسط جولات للأساطيل الأميركية المقيمة والزائرة وكذلك الروسية وتدعيما للدفاعات البحرية السورية ونشر للدرع الصاروخية في تركيا ومناورات بحرية وبرية إيرانية مع تصريحات ذات منسوب عالي التوتر بين أطراف الصراع دون نسيان التحريض والقلق الإسرائيلي لتوجيه ضربة عسكرية لإيران.
لكن السؤال المطروح ...هل سينتهي التوتر الإيراني-الأميركي إلى حرب أو مفاوضات الحد الأدنى من التفاهم.؟
وللجواب مقدماته وظروفه فالبعض يتساءل هل أن الحرب الإيرانية-الأميركية ستبقى ثنائية أم ستتحول إلى حرب متعددة الأطراف؟
وهل ستبقى ساحة المعركة على الأراضي الإيرانية ومحيطها أم ستمتد إلى كل ساحة يتواجد فيها الأميركيون في الخليج والدول المحيطة في أوروبا بصفتها أرضا تحتضن العدو؟
وهل ستبقى هذه الحرب كلاسيكية أم ستتجاوز الخطوط الحمر عسكريا إلى بعض الأسلحة التكتيكية والنووية المحدودة؟
والجواب أن هذه الحرب لن تنحصر ثنائيا ولا في بقعة جغرافية، بل ستنتشر وتهدد جديا بقيام حرب شاملة ستستدرج إليها أطراف عالمية، ونصبح أمام حرب عالمية محدودة أو شاملة وهل سيتحمل الأميركي وحلفاؤه هذه الحرب في ذروة الضعف العسكري والمالي والجغرافي بعد عقدين من الغزو والسيطرة على العالم، وهل أن حلفاء أميركا الإقليميون(دول الخليج)خاصة قادرة على دفع أثمان إستضافة القواعد والأساطيل الأميركية ،أم أنها ستتحول إلى ساحات مواجهة بين الطرفين لأن إيران سترد على الجيش الأميركي في قواعده، وستكون الحرب بين الطرفين خارج حدودهما الجغرافية، وسيكون النفط أحد أهم الضحايا العالميين من خلال تأثير إشتعال أبار النفط في الخليج وإغلاق مضيق هرمز لمنع تصديرالنفط إلى الخارج مما سيؤدي إلى إرتفاع أسعار النفط ويزيد من الإنهيار الإقتصادي الأوروبي والأميركي ودفع الدول للإفلاس والإتحاد الأوروبي للتفكك وللشعوب الغربية إلى البرد والفقر.
وليس المهم ان تبدأ أميركا الحرب، لكن المشكلة هل ستنتهي عندما تريد أميركا وكيفما تريد؟ إننا نعتقد أن أميركا وحلفائها يستطيعون إشعال النار لكن لن يستطيعوا تحديد إنتشارها أو التحكم بها وستحرق بنارها الكيان الصهيوني ومنشآته، لأن إيران ليست وحدها بل تدعمها جبهة إقليمية وتساندها جبهة دولية بعضها بعنوان التحالف وبعضها بعنوان توافق المصالح.
إن الحرب الناعمة الأميركية عبر الحصار المالي والإقتصادي لم ينجح حتى الآن وسيبدأ الحصار الجديد لإيران عبر الطوق الفتنوي المذهبي خاصة في العالم العربي حيث سيتكامل العداء الرسمي(أنظمة وحكومات)مع العداء أو المقاطعة الشعبية المتمثلة ببعض الحركات الإسلامية المرتبطة بالسلفيين وبعض أجنحة الأخوان المسلمين، بحجة دعم النظام في سوريا لكننا نسأل هؤلاء الأخوة بعيدا عن العاطفة إن قطر وتركيا ضد النظام السوري وأنتم معهما لكنهما يرتبطان بإسرائيل بعلاقات ثنائية، والمثل الشعبي يقول (إن صديق صديقك هو صديقك) وهذا يعني أنكم بدون قصد وضمن ضبابية الرؤيا والعصبية الكامنة، ستكونوا مع إسرائيل في جبهة واحدة، ونحن نعلم أنكم لستم كذلك ودينكم ومبادئكم تحصنكم، لكنها الفتنة والعصبية، وندعو الله أن ينجينا واياكم منها لمصلحة الأمة.
إن إيران تعمل وفق النص القرآني( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ..) ووفق الحديث النبوي الشريف(المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف)ولهذا شمرت عن سواعدها وكثفت مناوراتها لتعلن أنها قادرة على الرد والتحدي ومنازلة العدو ،وأنها ليست لقمة سائغة أمام الغزو أو الإعتداء مهما تآمر الأقربون وحشد الأبعدون، ولذا فإن إطلاق النار على إيران بمثابة إطلاق الرصاص على برميل البارود العالمي ليصبح كل شيء مباح ومبرر في كل الساحات العربية والأوروبية ،فالأميركي وحلفائه جبناء لا يستقوون إلا على الضعفاء وفق منظومة قطاع الطرق ورعاة البقر الأميركييين، فإذا ما وجدوا الخصم قويا تراجعوا نحو المفاوضات أو الهدنة بإنتظار فرصة جديدة، ولأن أميركا عاجزة مع حلفائها على حسم المعركة مع إيران وحلفائها ولأن العصر الأميركي إلى أفول، وقوتها إلى تراجع،فإن الضغط الأميركي يهدف إلى إجبار إيران للتفاوض وفق الشروط الأميركية، وسقف ايراني منخفض ،وذلك لحفظ ما تبقى من مصالح أميركية بإنتظار الفرصة المؤاتية للإنقضاض من جديد ،لكن إيران التي تمرست التفاوض والميدان،تعمل أيضا على فرض شروطها عن طريق القوة والعقل والإنجازات وليس عبر التهديد الكلامي ،وقد استطاعت إجبار الإتحاد الأوروبي للعودة للتفاوض دون شروط حول الملف النووي بعد نجاحها الجديد في تصنيع الأنابيب النووية،وحتى العقوبات التي وقعها باراك أوباما فإنها تترك الأبواب مفتوحة للتفاوض بتمديد فترة التنفيذ من شهرين إلى ستة أشهر وكذلك كثرة الإستثناءات.
الصمود في سوريا وإيران والعراق ولبنان سيؤدي إلى تحجيم الأحلام والشروط الأميركية،فإذا ما اتجهت أميركا للتفاوض يمكن الحفاظ على مصالح الأمة وقوى المقاومة والممانعة وإذا ما اتجهت أميركا وإسرائيل للحرب فرب ضارة نافعة،ولن نخسر شيئا وستعود البوصلة لقتال إسرائيل وأميركا العدو الأساس،وسنستعيد شعوبنا وأوطاننا من الحروب الأهلية والفتن الطائفية والمذهبية